
بضع ثوانٍ إرتعد فيها كلّ شيء، كانت كافية لتشكّل ما بدا انّه حدّ فاصل بين الحياة والموت، ولكن الله لطف، ونجّا لبنان وخرج مضرّجًا بأضرار في مختلف المناطق. الزلزال اللبناني بلغت قوّته 4.5 درجات على مقياس ريختر، كان على بُعد قريب جدًا من ان يتحوّل إلى تدميري؛ لحظة وقوعه بدت وكانّها من علامات يوم القيامة؛ قرابة الثالثة فجر الاثنين، تحرّك باطن الارض، تمايلت الأبنية، وتأرجح الناس في فراغ منعدم الجاذبية، وضاقت امامهم سبل النجاة، فأخلوا بيوتهم وهرعوا إلى الشوارع والفلا، ليصوغوا بذلك واحدًا من مشاهد الرعب والهلع اللذين فاقا حدود ايّ قياس لهما.
الزلزال، كان الطاغي الوحيد على المشهد الداخلي، ولعلّ من هوله يفترض ان تُستخلص الدروس والعِبَر؛ مَن مِن اللبنانيين من لم يسكنه الفزع من هذا الزلزال؟ مَن مِن اللبنانيين من لم يشعر بضعفه وبوهنه وبعجزه؟ مَن مِن اللبنانيين من لم يعشْ تلك الثواني الأربعين التي بدت وكأنّها عدّ تنازلي لنهايته؟ مَن مِن اللبنانيين من لم يبق حابسًا انفاسه ترقباً لعبور الهزّات الارتدادية التي تلاحقت نهار امس؟ لبنان بالأمس كان وطن الخوف، خوف لا طائفة له، ولا مذهب، ولا انتماءات سياسية، ولا عناوين سيادية او ممانعة فيه، الكلّ؛ سياسيون، احزاب، طوائف، مناطق، كانوا سواسية كأسنان المشط أمام غضب الطبيعة، وليس على رأس اي من الخائفين خيمة أو خرزة زرقاء تحميه من هول الزلزال.
ربما شاءت الطبيعة ان ترسل هذه الرسالة المدمّرة إلى اللبنانيين بكل مستوياتهم، لعلّها تُحدث بزلزالها هزّات ارتدادية في رؤوس المعطّلين، تدفعهم إلى ان يقفوا مع انفسهم وقفة تأمّل وتبصّر في تلك اللحظة التي كادت تحوّل بلدهم إلى ذكرى، ويدركوا انّ بلدهم واستمراره واستمرارهم فيه، معلّق على شعرة، واذا كانوا غير قادرين على يصّدوا غضب الطبيعة بعواصفها وزلازلها واعاصيرها، فإنّ في مقدروهم أن يكسروا مسار انهيار صنعوه بأيديهم، ويوقفوا الزلزال السياسي الذي يعطّل الحياة في هذا البلد، وينذر باسقاطه الى أعمق أعماق الكارثة.
المقولة المفترضة لانخراط المشهد اللبناني تحتها، خلاصتها أنّ ما بعد الزلزال ليس ما قبله على حدّ تعبير مصادر سياسية، التي اكّدت لـ"الجمهورية"، انّ "الطبيعة تمنح اللبنانيين فرصة لأن يعودوا إلى ذواتهم، وعلى أساس ما استُجد يفترض بكل مكونات الاشتباك الداخلي ان تتعظ مما حصل، وتسلك بلبنان المسار التحصيني له".
الّا انّ المصادر نفسها تنعى هذه الفرصة أمام إصرار هذه المكونات على السير على خط الزلزال السياسي ومفاقمته، بما يعجّل بانفجاره. وقالت: "مهما اشتدت العاصفة المناخية التي تضرب لبنان، فإنّ عمرها قصير، ومحطات الأرصاد تتوقع انحسارها في غضون الساعات المقبلة، وبالتالي فإنّ الجليد الطبيعي سيذوب حتمًا، الّا انّ العاصفة السياسية التي تهبّ على البلد من كل حدب وصوب داخلي، وتقطع اوصال الملف الرئاسي، تحتاج لتجاوزها - كما يُقال بالعامية - إلى "حلم الله". ذلك انّ الجليد السياسي المتكون على مختلف الخطوط الداخلية والطرقات المؤدية إلى شيء من الانفراج، من النوع الفولاذي الصلب العصي على الذوبان وحتى على الانصهار مهما بلغت درجة حرارة وسخونة محاولات الصّهر والتذويب".
وإذا كانت مكونات الصراع والانقسام قد حسمت تموضعاتها النهائية، أكان في موقع المتفرج على أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية واجتماعية تزداد اختناقًا وتعقيدًا على مدار الساعة، او في موقع التصادم في الملف الرئاسي، كخطوط متوازية لا يمكن ان تلتقي تحت اي عنوان من شأنه ان يحرّر رئاسة الجمهورية من قبضة الرؤى والخيارات المتناقضة، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوضع الشاذ والميؤوس منه: كيف يمكن لهذا الجليد السياسي ان ينكسر؟ وهل ثمة قدرة جدّية وقوية من شأنها أن تجعله قابلًا للكسر؟ (نقلا عن الجمهورية)
الصورة : مدنيون يبحثون عن ناجين تحت أنقاض مبنى في ديار بكر التركية (أ.ف.ب)