
محمد صالح
بدون ادنى شك فإن رحيل "المناضل" الدكتور عصمت القواص يشكل بالنسبة لنا نحن الذين عرفناه عن قرب , فسحة اعتبارية لتذكر ذاك الزمن الذي كنا سويا معا في تلك الفترة ..مرحلة بداية المشوار بالعمل السياسي الحزبي بالنسبة لنا , وهي المرحلة التي سبقنا اليها بعدة سنوات الدكتور عصمت ذاك "اليساري" "التقدمي" الشديد الالتزام بالمبادىء التي آمن بها ..
رحل الدكتور عصمت عن هذه الدنيا تاركا خلفه بصمات واضحة في العمل الوطني المتعلق بتلك المرحلة التي عاشتها صيدا والجنوب ولبنان .. بصمات تسجل له وفي حسابه الشخصي , وقلة يعرفونها لانه يهوى "الصمت" ويفضل العمل في "الظل" لانجاح اية مهمة .
علّني اوفق في هذه العجالة وعبر تلك السطور القليلة من ان افي الرجل جزءا من سيرة مرتبطة بمعرفتي على المستوي الشخصي ب"الرفيق" عصمت, والتي بدات من خلال النشاطات السياسية والحزبية العامة في صيدا منتصف السبيعنات تقريبا , عندما كنت تلميذا في نهاية المرحلة التكميلية , فشدنا كطلاب الشعارات التي كان يطلقها زملاء لنا والخطابات النهضوية السياسية التي يلقونها وكانت عن تلك المرحلة التي عاشها لبنان فاستهوتني .
و"الرفيق" عصمت كان في حينه شخصية قيادية وكادرا رئيسيا واساسيا في "منظمة العمل الشيوعي" على صعيد منطقة صيدا والجنوب فتعرفنا عليه عن قرب من اولئك الناشطين في المدرسة وكنا مجموعة من الطلاب وغير الطلاب من الاصدقاء وتكثفت لقاءآتنا معه وصولا الى التقرّب لفترة لم تكن طويلة من "المنظمة", وافكارها , وكنا نعقد اللقاءات في مركزها واحيانا كثيرة داخل بيته او في البستان حيث كان يقيم وتقيم عائلته في المدينة , وكان يكلفنا في حينه بمهام طلابيه كتوزيع منشورات وغيرها من المهام .
اما في المرحلة الثانوية فكان استاذنا في الصف يدرسنا مادة "الرياضيات" .. وكان محبوبا من طلابه ,اما بالنسبة لنا فكان "الاستاذ" عصمت , وما علينا الا الانصات للشرح بعيدا عن اي شيء اخر .
وبقدر ما هو على هذا النحو من الالتزام الصارم في الاجتماعات واللقاءات الداخلية , لدرجة التوقف عن الكلام احيانا خارج الموضوع السياسي والحزبي المطروح , لكنه كان ودودا وشخصية محببة في الجلسات التي كنا نعقدها خارج هذا الاطار ...
فقد امتاز الدكتور عصمت بصفة "الصمت" واجادته العمل السري بإمتياز , ومعايشته خلال مرحلته العمرية تلك اي في السبعينيات , جيل الكبار من القادة الحزبيين العريقين بالعمل النضالي والنقابي العمالي والمطلبي والسياسي اليساري التقدمي والعروبي بكل معتقداته ومبادئه , ان في عاصمة الجنوب صيدا او في لبنان , جيل الوعي الوطني الذي اطلق العنان لتغيير واصلاح النظام السياسي في لبنان والذي حمل لواء القضية الفلسطينية فوق اكتافه.. الرعيل الذي اسس "الحركة الوطنية اللبنانية" فتتلمذ على اياديهم وكان شغوفا بهذه المبادىء والمعتقدات.
في مرحلة الاحتلال الاسرائيلي لصيدا واجزاء" واسعة من لبنان , لعب الدكتور عصمت دورا بارزا جدا في مقاومته وساهم بتشكيل الخلايا السرية ل"جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" , حتى ان معظم الشعارات المناهضة للاحتلال والتي كانت تكتب على جدارن المدينة كان هو من يطلقها ويقف وراء نشرها وتعميمها وكانت تفعل فعلها المدوي في العمل الدعائي ضد الاحتلال .. وصولا الى اعتقاله في العام 1984 ونقله الى سجن عتليت في فلسطين المحتلة وبقي اسير اسوار سجنه لحين أطلاق سراحه عام 1985 في عملية تبادل للاسرى .
عصمت القواص كان ايضا وايضا شخصية نقابية بارزة ان على الصعيد التربوي بالنسبة للمعلمين ومطالبهم , او على الصعيد المطلبي العمالي والمعيشي العام في صيدا ولبنان .
ولاحقا تعرفنا على الدكتور عصمت القواص كمستشار اعلامي للامين العام ل"التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور اسامة سعد وكان شخصية مقربة جدا منه ومؤثرة ايضا وامتزجت شخصيته بشخصيته.. لدرجة يمكن وصفها بانه المسؤول عن صياغة وكتابة معظم بيانات ومواقف النائب سعد المكتوبة الصادرة باسم مكتبه الاعلامي . وحتى ان النائب سعد كان شديد التأثر لفقده, ورحيله لا شك سيشكل فراغا كبيرا بالنسبه له.
رحم الله الراحل الدكتور عصمت القواص في رحلته الاخيرة حيث "الصمت الابدي" ..
تعازينا الى الدكتور اسامة سعد والى "المكتب الاعلامي" , والتعازي الشخصية الحارة الى زوجة الدكتور عصمت وشريكة حياته السيدة رندة , كاتمة اسراره في كل المراحل التي عاشها ومرّ بها , واعانها على الصبر ونعمة السلوان . والى ولديه زاهي وزينه وكل اشقائه وافراد عائلته .