
محمد صالح
مع انتهاء وجود اللواء عباس ابراهيم كمدير عام ل"جهاز الامن العام اللبناني".. تنتهي حقبة من فصل مجيد في تاريخ هذا الجهاز الامني وفي لبنان.
اللواء ابراهيم .. شخصية محورية اساسية في لبنان , لعب اداورا متعددة سياسية وامنية , من الصعب على اخرين القيام بها, صفحات بيضاء حافلة بالانجازات , سجلت لاجل الذين ادى هذه المهام لصالحهم وهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة ومتشعبة ؟. وكاتب هذه السطور يشهد على الدور المميز والحاسم الذي لعبه اللواء ابراهيم عندما تم توقيفنا في اليونان منذ عدة سنوات لتشابه في الاسماء ..
بالاضافة الى ان هذه الانجازات قيدت في سجله الشخصي , ويشهد عليها كل صاحب ضمير حر في هذا البلد مسؤولا" كان وفي اي موقع , ام مواطنا في اي بقعة من لبنان .
لقد طبع اللواء عباس ابراهيم هذه المرحلة الهامة في هذا البلد بطابعه هو , وحفر اسمه في ذاكرة اللبنانيين بين سجل الخالدين قياسا الى حجم الادوار التي لعبها في مسيرته كرجل امني منذ دخوله السلك العسكري في المدرسة الحربية , مرورا بكل المسؤوليات والمهام التي تولاها , وخاصة تلك التي اوكلت اليه في "الامن العام" وهي كثيرة ومتعددة لا مجال لسردها هنا ..
تميز هذا الرجل بمناقبية عالية, وحرفية لا مثيل لها , وطبع كل تلك المهام بإدائه المميز ومهرها باسلوبه الخاص، بحيث ارتبط اسمه محليا وعربيا ودوليا بأدوارٍ وملفات تفوق بكثير حجم المنصب الرسمي الذي يتولاه اي شخص , في اي موقع كان ...
منذ ان تولى سدة المسؤولية في "الامن العام" عمل على تطوير هذا الجهاز في شتى المجالات الادارية واللوجستية والمعلوماتية بالاضافة الى زيادة عديده وعتاده , وساهم في انتشار مكاتب "الامن العام" في كل المناطق اللبنانية لتكون قرب الناس وتسهيلا لخدمتهم .. علما انه فعل كل ذلك في ادق واصعب مرحلة من كل المراحل التي شهدها ويشهدها لبنان .. مرحلة انحلال الدولة وتفكك مؤسساتها الادارية , وانهيار كل القيم التي تربط المواطن بدولته..
الا ان "جهاز الامن العام" بالمهام المنوطة به بين العمل الامني والسياسي والاداري , وارتباط هذا الجهاز بمصالح الناس مباشرة.. شكّل الضوء الابيض الوحيد في ليل هذا البلد الشديد العتمة .. كل ذلك بفضل شخصية اللواء عباس ابراهيم .
ويأتي السؤال الذي يطرح بالحاح في لبنان هذه الايام .."كيف يتم التخلي بهذه السهولة وبتلك البساطة عن شخص مثل اللواء عباس ابراهيم في هذه الحقبة الصعبة والحرجة التي يمر بها البلد , ولصالح من ؟ ولماذا ؟ "...
وياتي الجواب بسرعة فائقة .. في هذه "الدولة الفاشلة" بكل مكوناتها السياسية , تم التخلي بسهولة , وإنهاء خدمات كل المرتكزات الاساسية التي شكلت في الماضي وتشكل دعائم وعلامات مضيئة وحافلة في البلد , وكانت في حينه من علامات "الدولة القوية"..
وكما تم شطب كل شيء كان له علاقة بتلك الدولة وبالناس وصولا الى ودائعهم وجنى عمرهم وانتهاء بمرحلة العجز والانهيار والتفكك الحالي .. تم التخلي بهذه السهولة وتلك البساطة وفي هذه الظروف الحرجة عن شخص مثل اللواء عباس ابراهيم يملك كل تلك الصفات , ويشكل مرتكزا اساسيا في الجمهورية اللبنانية ؟.
اللواء ابراهيم يكاد يكون الشخص الوحيد في هذ البلد الذي ما زالت له علاقات عامة واسعة مع دول وازنة واساسية في الخارج ويشكل عامل استقطاب وثقة للجميع , وقد فرض هو شخصيا هذه الثقة من خلال ممارسته الحكيمة والذكية جدا في موقع عام يعتبر من اكثر المواقع الحساسة في لبنان لإرتباطه بالامن والسياسة والادارة معا.. تولاه طيلة اكثر من عقد بنجاح لافت يشهد له الجميع في لبنان والخارج ..
اما في لبنان فإن اللواء ابراهيم تمتع بعلاقة طيبة مع كل المكونات السياسية والمرجعيات , ومقبولا من الجميع ويحظى بإحترامها .. وهذا بحد ذاته بات اليوم نادرا جدا في بلد يتمتع بالخصومة ويمتهن المكايدة بين كل مكوناته في كل شيء .
يغادر اللواء عباس ابراهيم هذا الموقع ويتركه لمن يخلفه , وهو مرتاح الضمير ورأسه مرفوعا , شامخا بما انجزه في تاريخه الحافل على كل الصعد , وخاصة في المهام التي تولاها في لبنان او تلك التي اسندت اليه خارج لبنان ؟. ولا شك انه سيذكرها جميعها عندما يحين موعد كشفها ويكتب عنها في مذكراته , خاصة ان لديه الكثير من الأسرار المرتبطة بهذه الادوار والمهام التي لعبها في السياسة والامن وفي العلاقات العامة .
يعود اللواء ابراهيم الى دارته وسيمضي فترة بعيدا عن الوظيفة الادارية وهمومها .. وليس بعيدا عن الناس الذين احبهم واحبوه وتعلقوا به.. والمستقبل امامه وليس وراءه ..
الصديق اللواء عباس ابراهيم لن نقول وداعا.. سنبقى نقول لكم الى اللقاء ودائما الى لقاء .