
كتبت صحيفة النهار تقول: على قاعدة أنّ "اللبنانيين لا ينامون على هم عتيق"، وفيما توالت التداعيات السلبية لامتناع لبنان عن التصويت الأممي على إنشاء هيئة مستقلة لجلاء مصير المفقودين في سوريا، هزّت أمس جريمة مقتل الشابين هيثم جميل الهندي طوق ومالك طوق منطقة بشري والشمال بل ولبنان كله وسط أجواء من الريبة والاشتباه في اهداف فتنوية وطائفية لهذه الجريمة بين بشري والضنية مما استدعى استنفاراً واسعاً للجيش في المنطقة في مطاردته للمشتبه فيهم في الجريمة ومن ثم اصطدامه بمجموعة من الشباب البشراويين. وبدا السؤال بديهيّاً عمّن يسعى الى اشعال فتنة طائفية في الشمال وهل من جهات نافذة تتآمر على البلد في ظروفه المخيفة الحالية ولا سيما عند مشارف موسم اصطياف وسياحة واعد، وماذا وراء الظروف الملتبسة التي أعقبت مقتل الشاب الأول من بشري وأدّت إلى مقتل الشاب الثاني في اشتباك مع الجيش؟
ولكن بياناً صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه ليلاً لم يتضمّن توضيحاً لظروف مقتل الشاب الثاني كما بدا لافتاً إشارته إلى منع الاقتراب من منطقة تدريب عسكرية في القرنة السوداء. وجاء فيه: "بتاريخ 1/7/2023، تعرّض أحد المواطنين لإطلاق نار في منطقة القرنة السوداء ما أدى إلى مقتله، كما قُتل لاحقًا مواطن آخر في المنطقة عينها. وقد نفذ الجيش انتشارًا في المنطقة ويعمل على متابعة الموضوع لكشف ملابساته، كما أوقف عدداً من الأشخاص وضبط أسلحة حربية وكمية من الذخائر.
ولمّا كانت قيادة الجيش قد حذرت في بيان سابق بتاريخ 2023/6/12 المواطنين من الاقتراب من منطقة التدريب العسكرية في القرنة السوداء، تعيد التشديد على عدم اقتراب المواطنين كافة من هذه المنطقة تحت طائلة المسؤولية وحفاظاً على سلامتهم ومنعًا لوقوع حوادث مماثلة".
وكانت حالة من التوتّر والغضب الشديد سادت بلدة بشري عقب مقتل هيثم جميل الهندي طوق بظروف مشبوهة، في منطقة الشِحَين، في محيط القرنة السوداء. وبعد ساعات قليلة من شيوع خبر مقتله، شاعت أنباء عن أنّ الشاب مالك طوق قضى أيضاً في الجريمة نفسها اذ أصيب برصاص القنص المتفجر ولم يستطع الأهالي الوصول اليه لانقاذه فوجده الجيش وجرى سحب جثته بواسطة الهيليكوبتر وجرى نقلها الى المستشفى.
وأجمعت المعطيات الفورية والاولية عن الجريمة أنّ القتيل الأول قضى برصاص قناصين من مسافة بعيدة بعدما استهدفت مجموعة شبان من جهة الضنية شبانا من بشري في مكان الحادث بإطلاق الرصاص بما يُثبت النيّة الجرمية المتعمّدة للقتل وينذر بتداعيات خطيرة.
ولكن المعلومات التي توافرت لاحقاً أفادت بأنّ اشتباكاً حصل بين قوّة المغاوير التي توجّهت إلى مكان الحادث الأول ومجموعة من الشباب البشراويين كانوا توجهوا الى المكان ولم يمتثلوا لطلب الانسحاب فحصل اشتباك أدى الى مقتل مالك طوق وجرح اثنين آخرين بينهما منصور سكر وهو عسكري نقل الى المستشفى العسكري لخطورة وضعه.
وأشعل هذا الحادث ردود فعل واسعة فشددت النائبة ستريدا جعجع، في بيان، على أنّ "الجريمة النكراء وقعت في وضح النهار، ولا يمكن أن يكون الحلّ إلّا بإحقاق الحق وسوق المجرمين إلى العدالة"، داعية أهالي المغدور وأهالي بشري إلى "التحلي بالصبر والهدوء بانتظار انتهاء التحقيقات وجلاء الحقيقة" فيما انتشرت قوة كبيرة من الجيش في المنطقة بعد الحادث.
وأعلن أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تابع الحادث عبر سلسلة اتصالات أبرزها مع قائد الجيش والمراجع الأمنية والقضائية المختصة. وشدّد ميقاتي على أنّ "هذا الحادث مدان وستتم ملاحقة مرتكبيه وتوقيفهم ليأخذ القانون مجراه وليكونوا عبرة لغيرهم". وشدّد خلال اتصال مع النائبة ستريدا جعجع على ضرورة تحلي الجميع بالحكمة وعدم الانجرار الى أي ردّات فعل خصوصاً في هذا الظرف الدقيق الذي نعيشه".
وبدوره، اتصل النائب اللواء أشرف ريفي برئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وقال: "أكدنا مسؤولية أجهزة الدولة في توقيف القاتل ومحاكمته، ومعالجة تداعيات الجريمة بحكمة.
كما استنكر النائب فيصل كرامي الجريمة وتقدم بالتعزية من جميع أهالي بشري وناشد أبناء بلدتي بشري وبقاعصفرين ان يحتكموا الى العقل والحكمة وان يكون القضاء المرجع الوحيد لحل الموضوع.
ودعا النائب وليام طوق "أهل بشري والجبة وشبابها إلى وجوب ضبط النفس"، واتهم "جماعة متفلتة تتمادى منذ سنوات في استباحة أرضنا ومحاولة استدراجنا الى قتال داخلي نحن لا نريده مع أهلنا في بقاعصفرين. وعليه، إن هذه الجريمة الشنيعة لم ينفذها مسلحون مجهولون، بل قناصون غادرون يتربصون في نطاق أرضنا في "قمة الشهداء" بقصد الاستيلاء عليها. كما ان هذه الجريمة الشائنة ما كانت لتحصل لولا تراخي السلطات القضائية في حسم تثبيت الحدود منذ أكثر من سنتين". وقال إنّ "الدعوة إلى ضبط النفس لا تعني إطلاقاً التساهل أو التفريط بدم الشهيد بل تعني الالتزام بقيمنا الاخلاقية والوطنية، والتمسك بتحصيل حقوقنا بأيدينا في حال تقاعس السلطات والاجهزة المعنية".
وأفيد مساء بأنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي أجرى اتصالاً بالنائب فيصل كرامي دعاه فيه إلى "توخّي الحكمة في التعامل مع الحادثة الأليمة التي أودت بحياة الشاب هيثم طوق"، كما دعا من خلاله "أهالي بقاعصفرين والضنية إلى عدم الانجرار وراء الاحكام المسبقة والشائعات بانتظار جلاء الحقيقة الكاملة".
وغرّد النائب طوني فرنجية معزّياً أهالي بشري وعائلتي طوق وسكر "اللتين خسرتا شبابا من خيرة شبابهما ". وأضاف أنّ "بلوغ النزاع مستوى دمويا كان من الممكن تفاديه لولا الإهمال والمماطلة".
أمّا في المشهد الداخلي، فلم يُسجَّل أي تحرك في انتظار انتهاء عطلة الأضحى وعودة الدورة السياسية الى مسارها علماً أنّ أي تطور ليس منتظرا قبل معرفة الخطوات التالية للموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان حيال مهمته الرئاسية اذ يتوقع تأخر او تأجيل أي تحرك جديد للودريان في ظل الاحداث المتفجرة التي تشهدها فرنسا.
أمّا في المواقف من الأزمة، فبرز كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في أول زيارة له امس للقبيات غداة انتقاله الى الديمان حيث أعلن أنّ "الأزمة السياسية التي نحن فيها تتحدّر منها كل الازمات الاخرى الاقتصادية والمعيشية والانمائية، وثمة شباب كثر يغادرون بسبب هذه الازمات . وقال: "صدقوني بانني اخجل حين نلتقي الوفود التي تاتي من الخارج ويترجونا ان ننتخب رئيسا للجمهورية . اخجل كيف ان المسؤولين في لبنان يهدمون بأيديهم بلدهم، وكأن العمل السياسي للهدم، وهذا غير صحيح. لذلك صلاتنا اليوم امام سيدة الغسالة لنلتمس منها ان تبقى معنا، ان تغسل قلوبنا وقلوب الجميع، من الافكار القديمة ومن كل شيء اسمه "عتيق " الذي لم يعد ينفع في حياة لبنان، وان تغسل ذاكرتنا كي نتمكن من ان نطوي هذه الصفحة".
الصورة : دورية للجيش (أرشيفية)