
كتبت الاخبار التالي : مع تكرار المشهدية الليلية للقصف الصاروخي الإيراني الشديد الذي يغطّي مساحة فلسطين المحتلة كاملة، ويُحدِث دماراً غير مسبوق في المدن الإسرائيلية الرئيسية، ولا سيما في البنى التحتية، تكون المبادرة قد أفلتت من يد إسرائيل التي لا يلعب الوقت لمصلحتها في هذا النوع من تبادل الضربات.
وحدا ذلك بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى بدء البحث عن مخرج، لكنّ تصريحاته تذبذبت بين الحديث عن سعي إلى «سلام» بين إسرائيل وإيران، لا يبدو واقعياً، والتلويح بتدخّل أميركي دونه أيضاً تورّط في حرب طويلة غير مضمونة النتائج.
وفي هذا الوقت، بدا أن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الذي يتصرّف كمن يعرف أن خسارة هذه الحرب قد تطيح به، متّجهاً إلى تصعيد إضافي، هدفه جرّ الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى المواجهة.
ومع دخول الحرب يومها الرابع، توسّعت الردود الإيرانية لتشمل النهار والليل، بعدما كانت خلال الأيام الأولى تقتصر على صليات صاروخية ليلية.
وإثر هجوم بعد الظهر برشقة صاروخية، عادت طهران وأطلقت نحو 30 صاروخاً مع حلول ليل أمس، حيث اعترف جيش العدو بأن «عدة مواقع أُصيبت في إسرائيل» بهذه الصواريخ، من دون أن يحدّد طبيعتها. لكنّ جهاز الإطفاء الإسرائيلي أكّد أن فرق الإنقاذ توجّهت إلى مبنى على الساحل تعرّض لـ»ضربة مباشرة».
وبدوره، نشر جهاز «نجمة داوود الحمراء» للإسعاف لقطات لفرقه المنتشرة في حيفا، تظهر سيارات مشتعلة ومبنى سكنياً تضرّرت واجهته، مشيراً إلى أن فرقه نقلت 7 أشخاص أصيبوا في المبنى. كذلك، تحدّثت وسائل إعلام عن تضرر 7 مبان في المدينة بشكل جزئي، وقالت إن حريقاً اشتعل في أحدها، وحوصر في داخله عدد من الأشخاص.
وفي ظل تصاعد الضربات الإيرانية، هدّد المتحدّث باسم القوات المسلحة، العقيد رضا صياد، بأن «حجم الرد المدمّر من جانب المقاتلين الإيرانيين الشجعان سيشمل بالتأكيد كل أجزاء الأراضي المحتلة». وأضاف مخاطباً الإسرائيليين: «غادروا الأراضي المحتلة لأنها بالتأكيد لن تكون صالحة للسكن في المستقبل»، مضيفاً: «إن الملاجئ لن تضمن الأمن» للإسرائيليين.
وكما في الليلة الأولى للقصف الإيراني، من الجمعة إلى السبت، كانت ليلة السبت - الأحد أيضاً مشهودة بالنسبة إلى الإسرائيليين، حيث انهالت الصواريخ الإيرانية، ومنها صواريخ نوعية تُستخدم للمرة الأولى على تل أبيب وحيفا ومحيطهما، مستهدفة مواقع استراتيجية من مثل البنى التحتية النفطية في حيفا ومحيط مصانع «رافاييل» العسكرية، ومستوطنة بات يام جنوب تل أبيب.
وأسفرت تلك الضربات عن مقتل 10 إسرائيليين وإصابة أكثر من 200، وفقاً لطواقم الدفاع المدني والشرطة. وبذلك، «ارتفع عدد القتلى في إسرائيل منذ بدء التصعيد إلى 13»، بحسب مكتب نتنياهو، الذي أضاف في بيان أن الضربات الإيرانية في تلك الليلة طاولت نحو 22 موقعاً في مناطق عدة.
في المقابل، استهدف العدو مواقع عسكرية ومستودعات وقود في الجمهورية الإسلامية، حيث أفادت وسائل إعلام بأنّ حصيلة العدوان منذ بدئه بلغت 224 قتيلاً بينهم نساء وأطفال، فيما أُصيب المئات بجروح.
وتحدّث نتنياهو، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، عن أن إسرائيل «نالت» من رئيس الاستخبارات الإيرانية ونائبه في غارة جوية على طهران، أمس، فيما أكّدت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» أن رئيس استخبارات الحرس الثوري، الجنرال محمد كاظمي، قُتل مع الجنرالين حسن محقق ومحسن باقري. وكذلك، زعم نتنياهو أن إسرائيل «دمّرت المنشأة الرئيسية» في موقع نطنز النووي في وسط إيران.
ولاحقاً، أعلن جيش العدو، مساء أمس، أن «سلاح الجو بدأ سلسلة من الضربات على العشرات من أهداف صواريخ أرض - أرض في غرب إيران»، بعدما كان ذكر أنه ضرب «أكثر من 80 هدفاً» في طهران ليلة السبت - الأحد، مشيراً إلى أنّ من بين تلك الأهداف «مقر وزارة الدفاع الإيرانية، ومقر المشروع النووي، وأهدافاً إضافية كان النظام الإيراني يُخفي فيها الأرشيف النووي»، بحسب زعمه.
كما أعلن جيش الاحتلال أن «سلاح الجو نفّذ ضربة استهدفت طائرة إيرانية مزوِّدة للوقود جوياً في مطار مشهد، في شمال شرق إيران، على مسافة نحو 2300 كيلومتر من إسرائيل»، مشيراً إلى أنه يعمل «على فرض التفوق الجوي في الأجواء الإيرانية».
من جهتها، تحدّثت وسائل إعلام إيرانية عن ضربات إسرائيلية في مدن مختلفة ولا سيما طهران. ونقلت وكالة «إيسنا» عن بيان للشرطة أنه «تم استهداف قيادة شرطة طهران الكبرى بطائرة مُسيّرة معادية»، مشيرة إلى أن الهجوم ألحق «أضراراً طفيفة» وتسبب بإصابة عدد من العناصر. وأفادت وزارة النفط الإيرانية، بدورها، بأن ضربات إسرائيلية استهدفت خزانين للوقود في طهران، أحدهما في شهران (شمال غرب طهران).
ترامب يقود الحراك السياسي
عكست مواكبة ترامب اللحظية للحرب، مدى اهتمامه بها وتأثّره بنتيجتها، حيث دعا إيران وإسرائيل إلى «إبرام تسوية»، مع تلميحه إلى أن انخراط واشنطن في النزاع «ممكن». وقال عبر منصته «تروث سوشال» إن «على إيران وإسرائيل إبرام تسوية، وسنبرم تسوية»، مشيراً إلى أنّ «الكثير من الاتصالات والاجتماعات تجري» بشأن التصعيد الراهن، معتبراً أنّه يمكن «إحلال السلام قريباً بين البلدين، كما فعلت مع الهند وباكستان. اجعلوا الشرق الأوسط عظيماً مرة أخرى».
وفي مقابلة مع شبكة «إي بي سي نيوز» الأميركية، قال ترامب إنه «منفتح» على أن يؤدّي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دور وساطة في النزاع. وأكّد أن بوتين «مستعد.
لقد اتصل وناقشنا الأمر مطوّلاً». واستدرك بأنه «من الممكن أن ننخرط في النزاع، لكنّ الولايات المتحدة ليست منخرطة في الوقت الراهن»، محذّراً طهران من أنها ستواجه «كامل قوة» الجيش الأميركي إذا هاجمت الولايات المتحدة.
وعلى رغم نفي ترامب، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس، إن طهران تحوز «دليلاً قاطعاً على دعم القوات الأميركية والقواعد الأميركية في المنطقة لهجمات القوات العسكرية للكيان الصهيوني».
وأما نتنياهو الذي يتعرّض لضغوط من الجمهور بسبب القصف الإيراني، فتوعّد خلال تفقده موقع سقوط صاروخ في بات يام، إيران، بأنها «ستدفع ثمناً باهظاً جداً على قتل المدنيين والنساء والأطفال المتعمّد».
واعتبر، في محاولة لتبرير العدوان الذي يتحمّل مسؤوليته، أنه «كان لا بد لإسرائيل من تنفيذ هذه العملية»، مؤكداً «أننا سنحقق جميع أهدافنا وسنقضي على التهديد الوجودي المزدوج»، في إشارة إلى برنامجَي إيران النووي والصاروخي.
الصورة : دمار في موقع سقوط أحد الصواريخ الإيرانية في حيفا (أ ف ب)