
محمد صالح
بغياب الراحل الكبير الاستاذ ياسر نعمة .. يغيب معه جزء لا يستهان به من ذاكرتنا , تلك الذاكرة الجمعية التي تحدثنا يوميا عن تلك القامة العامرة ياسر نعمة .. هذا الرجل الكبير الذي خبر الحياة بكل دروبها وفصولها مناضلا قوميا وعروبيا ونقابيا مدافعا عن حقوق العمال والطبقات الشعبية واداريا لامعا ونشطا في آن..
كل من عايش ذاك الزمن , وحقبة تشكّل الوعي في لبنان يشير الى ان ياسر نعمة ومنذ نشاته الاولى وهو ابن الجنوب , من مدينة صور وما تعنية كلمة الجنوب ,انخرط في العمل السياسي النضالي في عز صعود وتجلي القومية العربية ومرحلة "ارفع راسك يا اخي" , مرحلة "لا حدود ولا يهود" فكان مناضلا في صفوف القوميين العرب بداية , بعد ان انجذب الى الرئيس جمال عبد الناصر وافكاره في الحرية والتحرر من الاستعمار , مع مجموعة من المناضلين وهم كثر على صعيد لبنان وبينهم رموز كبار من مدينة صيدا وحارة صيدا اضافة الى مدينة صور وكل الجنوب.. ومنهم من لعب ادوارا شتى على صعيد الحركة الوطنية اللبنانية .
كان عاشقا ولهانا لفلسطين وللقضية المركزية بكل ابعادها فانخرط في العمل الفلسطيني وكان قريبا جدا من قادتها الكبار الذين برزوا في تلك المرحلة وساهم مساهمات فعالة في تصويب العمل النضالي الفلسطيني في تلك الحقبة .
هو ياسر نعمة المناضل والناشط في المجال النقابي والمطلبي المنحاز الى الطبقات والفئات الشعبية , في رئاسة اتحاد عمال الطباعة والنشر لدورات متعاقبة , وكان احد اركان وركائز الاتحاد العمالي العام في تلك المرحلة ، وطليعيا في الشارع يقود تظاهرات دفاعا عن حقوق العمال المشروعة والمحقة في كل النقابات والمهن وتم توقيفه اكثر من مرة .
بنفس الوقت ياسر نعمة هو نفسه الاداري الناصح صاحب الحضور المتميز ,الصديق الوفي لرئيس تحرير جريدة "السفير" الراحل الكبير الاستاذ طلال سلمان , فكان الى جانبه منذ تاسيسها وواكبه في كل المراحل وصولا الى حقبة توليه منصب "المدير العام" .
بالنسبة لي تربطني علاقة شخصية مميزة مع راحلنا الكبير ياسر نعمة , وكنت التقيه بشكل دائم في مكتبه في الجريدة واحرص على هذا اللقاء الدوري , وكلما قصدت الجريدة في كل شهر او عند الضرورة ,كان هناك لقاء مع الاستاذ ياسر على فنجان قهوة , وكان مكتبه محطة دائمة لكل الزملاء في الجريدة دون استثناء , ومرجعا صالحا لمعالجة كل القضايا العالقة.. بالاضافة الى ذلك ياخذني الحديث معه شخصيا الى كل شيء بدءا من العائلة وصولا الى السؤال الدائم عن العمل في مكتب "السفير" في مدينة صيدا , وصولا الى كل تلك الفترات الماضية ومرحلة بدايات الوعي النضالي وكان يحب الحديث عنها , سيما وهو العارف بصيدا وفعالياتها وقادتها في تلك الحقبة خاصة شخصيات مرحلة القوميين العرب و"منظمة العمل الشيوعي" واللقاء الذي جمعه بعبد الناصر , ويحدثني عن رجال تلك الحقبة من معروف سعد وصولا الى اعمامي المرحوم المحامي مصطفى صالح والمرحوم الاستاذ خضر صالح , وكل من الاستاذ فؤاد الزين والمختار حسين الزين اطال الله في عمرهما والعزيز عدنان الزيباوي , والمرحوم عدنان المارديني , وغيرهم كثر في عاصمة الجنوب.. وكان يسالني عن كل اصدقائه الكثر في صيدا من بينهم الراحل الدكتور لبيب ابو ظهر وغيره ..الحديث مع "ابا عمار" مشوقا وممتعا , خاصة انه صاحب تجربة وافية ومكتملة بكل ما في الكلمة من معنى .
تعازينا الحارة الى الصديق والزميل العزيز عمار ياسر نعمة والى عائلته بوفاة الكبير والحبيب الاستاذ ياسر ..والتعازي لنا ولكل من عرفه..فالاستاذ ياسر كان حضنا دافئا للجميع طوال مدة الرحلة الطويلة التي امضيناها في "السفير" وبرحيله يفقد لبنان وجها اخر وقامة كبيرة من رجالات ذاك الزمن الجميل .
الف رحمة على روحه وكل التعازي والمواساة لكم وللعائلة الكريمة.