
تعود فكرة إسرائيل الكبرى إلى تداخل معقد بين النصوص الدينية اليهودية والتوظيف السياسي الصهيوني. فهي ليست مجرد حدود جغرافية، بل مشروع أيديولوجي يُستدعى في لحظات تاريخية معينة، ما يجعلها مثار جدل دائم في المنطقة.
الجذور الدينية
ينطلق المفهوم أولاً من سفر التكوين (15:18–21) حيث ورد أن الله وعد إبراهيم ونسله بأرض تمتد “من نهر مصر إلى نهر الفرات”. كما جاء في سفر التثنية تكليف موسى بقيادة بني إسرائيل لامتلاك أراضٍ تشمل فلسطين ولبنان وأجزاء من مصر والأردن وسوريا. أما سفر صموئيل فيستعيد صورة المملكة التي أقامها شاول وداود، والتي ضمت فلسطين ولبنان وأجزاء من سوريا والأردن.
هذا البعد الديني منح للفكرة طابع “الحق المقدس”، ما جعلها عند بعض التيارات اليهودية ليست مجرد مشروع سياسي، بل تفويضًا إلهيًا لا يمكن التنازل عنه.
التوظيف الصهيوني
مع نشوء الصهيونية الحديثة، تبنّى قادتها هذه الرؤية بطريقة مختلفة. فقد تحدث ثيودور هرتزل عن “أرض إسرائيل” باعتبارها المجال الممتد بين “نهر مصر” و”الفرات”، في لحظة كانت فيها الصهيونية تبحث عن مبررات تاريخية ودينية لتثبيت مشروعها السياسي. وعند إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، لم تُعرّف حدود الدولة بدقة، وهو ما ترك الباب مفتوحًا أمام فكرة التوسع.
لكن حرب 1967 شكّلت نقطة تحول مركزية، حيث احتلت إسرائيل الضفة الغربية، سيناء، والجولان، الأمر الذي أعاد إحياء خطاب “إسرائيل الكبرى” في أوساط مختلفة داخل إسرائيل، وجعلها أكثر حضورًا في النقاش السياسي والإيديولوجي.
البعد المعاصر
في العقود الأخيرة، تجددت الإشارات الرسمية وغير الرسمية إلى هذا المفهوم، سواء عبر المطالبة بضم الضفة الغربية، أو تكريس السيطرة على القدس والجولان، أو التلويح بمناطق في جنوب لبنان وسوريا. هذه الطروحات عززت المخاوف العربية، خاصة عندما تترافق مع عمليات عسكرية أو خطوات استيطانية تُترجم على الأرض.
في المحصلة إن إسرائيل الكبرى ليست مصطلحًا واحدًا بقدر ما هي مظلة أيديولوجية تُستخدم بمرونة:
• دينياً: استدعاء للوعد التوراتي.
• تاريخياً: إحياء لممالك توراتية سابقة.
• سياسياً: ذريعة للتوسع الجغرافي وتكريس السيطرة.
لكن خطورة المفهوم تكمن في قدرته على التحول من رمزية دينية إلى مشروع سياسي عملي، يهدد الأمن الإقليمي ويعيد تشكيل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.
د. قاسم سعد